الأحد، 2 سبتمبر 2018

حربٌ باردة

في مدينتي التي أسكن فيها في أقصى أطراف أستراليا والتي يقطنها عدد قليل جداً من المسلمين وأقل من ذلك بكثير من العرب. التقيت بأخٍ عربي يحمل الجنسية الأسترالية في فناء الجامعة، حيث انتقل للتو من مدينة ملبورن للعمل في شركة هنا. تجاذبنا أطراف الحديث في السؤال عن أسمائنا وبلداننا. فبمجرد أن قلت له بأنني من السعودية قال: "احمد ربك بأنك لست في كندا وإلا كان وكان". طبعاً كانت هذه العبارة مدخلاً ذكياً وكان يعرف ما يريد أن يجرني إليه من حديث. أظن بأنه كان يتمنى بأن يلتقي بسعودي حيث أن له في أستراليا قرابة ١٨ سنة وأتوقع أنه لم يلتق بسعودي قط أو كانت اللقاءات عابرة ولم تسمح له بمزيد من الحديث كي يلقي عليهم كل ما سمع من سيء الأخبار العربية والصحافة الغربية وكل ما يدور في جلساته الخاصة حول السعودية شعباً وحكومةً، كأنه صاحب ثأر يريد الانتقام ! انفجر بكل ما لديه من معلومات مغلوطة وأخبار كاذبة وأخرى مجتزأة، وكان يلقي الاتهامات بطريقة مباشرة وغير مباشرة على المملكة العربية السعودية شعباً وحكومةً. والأدهى والأمر قوله بأن كل ما في العالم العربي من مشاكل وأزمات هو بسبب السعودية ! وهذا ما كان يرغب الوصول إليه من خلال عبارته الأولى! وقد استمر حديثنا لقرابة ٣ ساعات وقوفاً، ولم ننتبه لأنفسنا إلا بعد تَبَلُّلنا بالمطر وارتجافنا من البرد!

طبعاً لم يكن هو الوحيد بهذا الفكر، فقد التقيت بأمثاله كثيراً وخصوصاً في بريطانيا. قلت له في ثنايا حديثنا بأن لديك معلومات كثيرة مغلوطة وأخرى أسيء فهمها. فضربت له مثلاً بموقف مشابه لأخٍ آخر التقيت به في بريطانيا وكان سائق تاكسي وكان ذلك وقت بداية الأزمة السورية ولجوء إخواننا السوريين لعدد كبير من الدول. فقال لي مغتاظاً: لماذا لم تنصروا إخواننا السوريين وتستقبلونهم كما فعلت ألمانيا قبل أيام باستقبالها لمئات اللاجئين؟ وانظر أيضاً إلى بريطانيا كيف استقبلتني أنا وأمثالي. صَمَتُّ قليلاً وقلت له: مشكلتكم أنكم تنقلون الأخبار ولا تتأكدون من صحتها، وهذا اذا افترضنا حسن النية وأنها فقط أخبار مغلوطة! قلت: هل تعلم أن الآن وفي هذه اللحظة ما يفوق على مليون أخ سوري مقيمون في السعودية ولا يعاملون معاملة اللاجئين؟! فلهم حقوق مقاربة لحقوق المواطن ويتلقون التعليم والصحة مجاناً وغيرها من الخدمات. وهل تعلم أن اللاجئين في بريطانيا وأوربا أمثالك يتلقون الدعم عن طريق صندوق الأمم المتحدة الذي تدعمه السعودية وغيرها من دول الخليج؟! فصعق لما قلت ولم يحرك ساكناً وصمت إلى أن أوصلني مكاني. وحينما فرغت من القصة لهذا الأخ العربي قال: مليون سوري في السعودية! هذا رقم مبالغ فيه! فبحثت له في وقتها عن المصدر فوجدنا الرقم مختلف بعد مرور بضع سنوات، فالعدد الآن قرابة مليونان ونصف المليون من الأشقاء السوريين، فصدم وتعجّب!

أعلم يقيناً بأن كل ما قدمته المملكة العربية السعودية من مواقف سياسية وتبرعات مادية وأعمال إنسانية وتحركات دبلوماسية يفوق الوصف ويصعب عده وحصره. ولكن للأسف لم يصل للعالم الخارجي ولا الداخلي أيضاً عشر ما قدمناه! الشعوب بطبيعتها عاطفية، لذا كان للإعلام الأقليمي والخارجي دور كبير باللعب على عاطفة الشعوب وتشويه سمعتنا وتحجيم دور المملكة بطريقة أو أخرى، واستغلال عاطفتهم وجهلهم لتتحول إلى كره وحقد. لذلك إعلامنا برجاله عليهم حمل كبير بالعمل الجاد أولاً في تحسين الصورة الحالية لدى البعض وثانياً في إيصال الصورة الحقيقية للعالم بما تقدمه المملكة. وهناك دور كبير أيضاً على السفارات وعلى ملحقياتها الثقافية والإعلامية في ايصال إنجازاتنا وما نقوم به، بما في ذلك تسليح المبتعثين بالأرقام والأدلة كي لا يصبحوا عُزّل في هذه الحرب الباردة. كما لا يمكننا أن ننكر أنه مهما قدمت السعودية من مواقف فإن الخونة والحاقدين وأشباه الرجال من العرب وبني جلدتنا للأسف لا ينفع معهم إلا العزم والحزم. صحيح بأننا نحن في السعودية ولله الحمد مشغولين بتطوير أنفسنا وتنمية وطننا، ولم نفتش عن كوارث ومصائب غيرنا بل قدمنا لهم كل ما نستطيع. لذلك إذا ما تعرض لنا أحد فالرد عليه يكون بلغة الأرقام والأدلة فهي لا تكذب!

نعلم بأننا جميعاً نسعى لتطوير وطننا والرقي به ولله الحمد. لكن حذارِ أن نسمع لمن باعوا أوطانهم وخانوها أو من لا وطن لهم، لكي يُنَظِّروا لنا ما يجب وما لا يجب علينا فعله تجاه وطننا، وهم هاربون قابعون في فنادق البؤس وشقق التعاسة يقتاتون على فُتات العمالة والخيانة ويتشدقون بعبارات الكرامة والحريّة! فوالله لو رأيتم أنيابهم وعلمتوا عن سميّة ألسنتهم، لكرهتم ابتساماتهم ولإستقذرتم عذب كلامهم! فقط اسألوا من فقدوا أوطانهم وهم لا يزالون تحت أنقاض الدمار وركام الهلاك!