الأحد، 28 يوليو 2019

تسييس الدين وسياسة الوطن

تتقاطع مصالح إيران الشيعية مع مصالح الإخوان المسلمين فنرى حماس وغيرها من جماعات الإخوان دائماً ما تكون قريبة من إيران وحكومتها وتوجهها السياسي وليس الديني، وذلك لأن كليهما مذهبان سياسيان وليسا بمذهبين دينيين في الأصل، فهم كما يقولون ويؤمنون بأن الغاية تبرر الوسيلة أياً كانت هذه الوسيلة وأياً كان حكم استخدامها! وإن كان أتباعهم لا يعلمون بذلك إما لجهل بهم أو لأنهم يتبعونهم لمجرد حقدهم على من يتبعون النهج المعادي لهم كما يدعون. والنهج المعادي لهم هو أي نهجٍ آخر غير نهجهم. لذا فهؤلاء الأتباع يتبعون هذين المذهبين فقط للانتصار لأنفسهم وأهوائهم أو لجهلهم وبساطة عقولهم كما ذكرنا سابقا. وقد انجذبوا إلى هذين المذهبين وجذبوا غيرهم من خلال الشعارات العاطفية الطائفية فآمن بهم من آمن، وهذه هي طبيعة الشعوب العربية العاطفية.

ومما يتقاطع فيه الشيعة والإخوان هو وجود مرشد أعلى، له الطاعة المطلقة العابرة للحدود وقد ذكر الدكتور نبيل الحيدري مؤلف كتاب إيران من الداخل ومؤلف عدة كتب بنقطة خطيرة وهي بأن الإخوان كتنظيم هم تبع لولاية الفقيه ويدينون له بالطاعة والولاء. كما ذكر نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا محمد فاروق طيفور في مقطع فيديو له بأن ارتباطهم القوي بإيران وأن لدى إيران الرغبة في تسليمهم السلطة في سوريا كي لا تصبح لقمة سهلة لأمريكا ومن ستضعه أمريكا ليخدم مصالحها على حد قولهم. ويقول أيضاً كمال الهلباوي - المتحدث السابق بإسم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في لقاء مع خامنئي وعلماء الشيعة-: "يجب أن تكون إيران نموذج يحتذى في كل شيء، نموذج يحتذى به في العدل، نموذج يحتذى به في حقوق الانسان، نموذج يحتذى به في جمع السنة والشيعة، نموذج يحتذى به في مركز الأمة الإسلامية"!!! ويقول أيضاً خالد مشعل قائد حركة حماس قال في إيران: "هذه إيران، إيران الاسلام، إيران المقاومة، هذه الثورة العملاقة التي نقلت إيران من حالة الى حالة". كما أكد أسامة حمدان مسؤول العلاقات الخارجية في حماس رسوخ العلاقة ومتانتها مع إيران مهما كانت الأحداث في المنطقة!!!  وقد ذكر المفوض السابق للعلاقات الدولية في جماعة الاخوان المسلمين يوسف ندا في مقابلة له في قناة الجزيرة أنه حينما احتل صدام الكويت أيد الاخوان هذا الاحتلال وطرح يوسف ندا مبادرة بتكليف من الإخوان على أن ينسحب صدام من الكويت مقابل إرسال جيش إسلامي على حد قولهم مكون من وحدات عسكرية من ماليزيا وأندونيسيا والسودان بقيادة إيران. وقال محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحماس "أنه يجب أن تكون لهم مكونات طيبة مع العالم الإسلامي وخاصة إيران وحزب الله" رعايا الإرهاب في المنطقة!!! كما أن وجود جماعة طائفية مدعومة من إيران في غزة تسمى بحركة الصابرين نصرا لفلسطين "حصن" يثبت صحة ما كتب آنفا.

وما يتضح جلياً هو أن هدف الجميع في المنطقة ينحصر في الثروات المادية والهيمنة فقط وذلك من خلال استخدام الدين كسلم للوصول لهدفهم، لذا ما ترغب فيه إيران هو توسعها في المنطقة والفوز بأكبر قطعة منها حيث ترى بأن أمريكا هي المنافس الوحيد لها في المنطقة ولن يخدمها أحد في هذه المهمة مثل جماعة الإخوان المسلمين فرغبتهم في الحكم ملحة ومطمعهم السياسي فوق كل شيء وإن كان الدين أحياناً! ولعل التقارب الواضح والسريع الذي حدث بين إيران وإخوان مصر فور وصولهم للسلطة في عهد مرسي أكبر قرينة ودليل على ذلك. لذا يتم إقناع جماعة الإخوان المسلمين بطريقتين، الأولى بإعطائهم الحكم السياسي المطلق على سوريا مثلاً أو على أي منطقة عربية أخرى وهذا ما يتمنونه وما هو واضح. والطريقة الثانية عاطفية لأتباع الإخوان أو لمن لم يدرك حقيقة توجه الإخوان بعد من قادتهم، بأن لدى إيران هدف سامي وهو قطع الطريق على أمريكا وإسرائيل في السيطرة على المنطقة وأن أمريكا وإسرائيل هما العدو الأول للمسلمين، فتتم الصفقة!

أما ما يجتمع عليه إيران والإخوان وغيرهم من أعداء المملكة العربية السعودية هو حقدهم الدفين عليها ومعرفتهم بخطرها عليهم وإدراكهم لمكانتها وعمقها الديني والاستراتيجي في المنطقة. فنجد الحرب قائمة علناً من إيران وأذرعتها كحزب الله وجماعة الحوثي وسراً من ابنها المدلل الاخوان وجماعات وطوائف أخرى تدعي السلمية وتدعوا للحقوق والحريات وهي على عكس ذلك وسيكشفها الزمن قريباً. وأكثر ما يبرز ذلك هو الحرب الإعلامية الشرسة والمنظمة وأيضاً دعم الجماعات الداخلية في المملكة كالشيعة وداعش والقاعدة وغيرها وذلك بالمال والسلاح والدعم الإعلامي وتشجيعهم على صنع خلايا جاهزة تحرك بأمر من المرشد في إيران. وأخيراً وعجبي له هو انسياق المغفلين والواهمين من أدعياء الحرية ومطالبي الحقوق الزائفة خلف كل ما يهدم الوطن ويساعد على التفرقة وعدم جمع الكلمة، وتصديق الشعارات الزائفة!

وبما لا يدعْ مجالاً للشك هو توافق المصالح الأمريكية مع المصالح السعودية في الإدارة الأمريكية الجديدة. لذا قد نجد تفسيرا واضحاً لتدني مستوى العلاقات الدولية بينهم سابقاً في عهد إدارة أوباما. وذلك حينما لم تحرك أمريكا ساكناً في تدخلات إيران في شؤون الدول المجاورة ومحاولة تجييش الشعوب ودعمها للمليشيات والجماعات الإرهابية والمتطرفة وحربها بالوكالة في الدول العربية وهذا ما جعل العلاقة بين السعودية وأمريكا في توتر في ذلك الحين. فإيران وحلفاؤها الإخوان والجماعات الأخرى لا تربطهم مصالح ولا أي ايديولوجيات بالسعودية فالعلاقة شبه منعدمة، لذا فالعداء واضح وقائم على أشده ويسعون سراً وعلناً في كل ما هو ضد للسعودية وخصوصاً علاقاتها الدولية ودوّل مجلس التعاون، وهذا ما جعلهم يتغلغلون في قطر وجرها إلى هذا المنزلق الكبير الذي وافق هوى قطر القديم في أن لها مطامع أكبر منها في المنطقة، لذا كان من السهل استخدامها كأداة وتحويلها إلى مقر معسكرات لعدة جيوش وغرف استخبارات لعدة دول.

ما أرجو وصوله للقارئ في ثنايا هذا المقال أن الدين يتم تسيسه لأجل المصالح وأن السياسية لا دين لها إلا المصالح الاقتصادية المشتركة والنفوذ. كما أن هناك طوائف وجماعات أخرى لها دور كبير غير اﻹخوان وما الحوثيون وحزب الله وغيرهم إلا أكبر مثال. إلا أن المجال لا يسع لذكرها هنا وذكر الإخوان للتبسيط ولتوصيل فكرة معينة فقط. أخيراً، كن مع وطنك مهما كانت الظروف ومهما تكالب عليه الأعداء. كن مع وطنك مهما تعالت الأصوات ورفعت الشعارات. كن مع وطنك وإن خدعتك الخطب العاطفية والطائفية. ما كتبته هنا ليس بتحليل سياسي وإنما حصيلة قراءتي المتواضعة والقاصرة لما يدور حولنا، وأعلم بأنه غاب عني الكثير وجهلت الكثير أيضاً. لذا أرحب بكل معلومة أو تصحيح وألتمس العذر إن أسأت أو أُسئت الفهم، وتقبلوا تحياتي.

ملاحظة: نُشر هذا المقال سابقاً في صحيفة الوئام بتاريخ ٢٠١٧/٥/٣١م وتمت إعادة نشره في هذه المدونة مع بعض التعديلات والإضافات.