الأحد، 24 يونيو 2018

لكِ أنتِ !

نعم! لكِ أنتِ! وإليكِ أكتب هذه الكلمات التي تنبضُ حباً يعجز الحبر عن رسمه وأنا بغاية الشوق إليك، أستشعرك في كل لحظة من حياتي، أتنفسك مع كل نسمة هواء وأراك انعكاسا في كل شيء أمر به وتقع عيني عليه. عجزت أبحث عن الكلمات التي تصف مشاعري تجاهك، ثم تبعثرت مشاعري بين حروف اللغة وأردت أن أجمعها فلم أستطع إلا في أربعة أحرف. نظرت إليها فوجدتها قد فاضت حباً واشتعلت شوقاً وقد اختصرت كل الكلمات وتزاحمت فيها كل المشاعر، فالألف أنت أنا، والحاء حياتك هي حياتي والباء أنت بيتي ولا بيت لي إلا أنتِ والكاف كلي وكل ما أملك لكِ.

أعلم أنني مهما كتبت فلا ولن أجيد الكتابة في حضرتك، ليس حضورك الجسدي فبيننا آلاف الأميال بل أنتِ حاضرة في كل تفاصيل حياتي. إنني أقف عاجزاً عن التعبير لكِ رغم صدق الكلمات التي يكتبها قلبي بحبره على كتاب حياة منطوي لا أعلم في أي رفٍ سيوضع!

بالمختصر أنا كخيمةٍ في فلاةٍ ذات ريحٍ عاتية، أنتِ عمودها وأطنابها!

أمشي رويدا مثقلاً بجميل صنعك وفضلك علي. ارفع رأسي شامخاً وأروم ما يسُر خاطرك ويسعد قلبك ويرضي طموحك. وعند آخر درجة أصعدها وحينما أشعر بأنني وصلت للقمة، أُدرك بأنني للتو قد بدأت فأنا للتو عند قدميك، وتقصر خُطاي دون مجاراتك، فكل مجد أسعى له دونك!

تمنيت لو الخلق بيدي لخلقت لك من نفسي آلاف كي أكون لكِ سلماً تمشين عليه وغطاء تلتحفين به وحجاباً لكِ عن أشعة الشمس.

ليست المرة الأولى ولا الأخيرة إن شاء الله التي أعبرها لكِ بها عن ما أُكن، لكن أردت أدونها هذا المرة لكي تبقى ذكرى جميلة. كيف لا وهي قد ارتبطت بك. ولتكون أيضاً نبراساً لي أستنيرُ به كلما أظلمت علي. لدي الكثير والكثير وأستطيع الكتابة إلى ما لا نهاية لكن أخشى أن أُرمي بالجنون ولا ضير بأن أصبح مجنونك.

الأحد، 17 يونيو 2018

وجد أُمه



في أحد ليالي رمضان ٢٠١٣ في مانشستر، أول رمضان أكون فيه بعيداً عن الأهل والوطن حيث بدأ الصيف للتو هنا. نصوم قرابة العشرين ساعة، نمسك قبل الساعة الثالثة فجراً ونفطر قرابة الساعة العاشرة مساءاً تقريباً.

الساعة الحادية عشر والنصف مساءاً في أحد مساجد مانشستر، المسجد مكتظٌ بالمصلين من كل الجنسيات والأعراق يجمعهم الإسلام على اختلاف مشاربهم لأداء صلاة العشاء والتراويح. حضر أحد المصلين وبصحبته ابنهُ الذي لم يتجاوز السنة والنصف للصلاة حيث أن والدته تصلي معنا أيضاً في مكان مخصص للنساء بنفس الجامع. ابتعد الابن عن أبيه كثيراً إلى أن وصل إلى سلم "درج" في وسط المسجد. بينما نحن نصلي حاول الطفل مراتٍ ومرات صعود السلم، ولكنه مع كل مره يسقط ويصرخ صراخاً يتألم له القلب. في المرة الرابعة سقط متألماً على رأسه وأشتد صراخه ثم صمت فجأة لوهلة! ذُهل لها كل من في المسجد من شدة السقوط ثم عاود البكاء مرة أخرى والكثير إن لم يكن الجميع يترقبون ماذا حصل للطفل.

انتهت إحدى ركعتي التراويح وبدأ الهرج والمرج في المسجد، وأكثر من يتحدث هم الذين كانوا بالقرب من الحدث! أي أمام الطفل مباشرةً حين سقوطه. تحدث أحدهم لائماً الإمام على الإطالة في الصلاة رغم سماعه لبكاء الطفل. بينما رد آخر من جنسية مختلفة غاضباً "بل إدارة المسجد تتحمل الخطأ على عدم إغلاقها الباب المؤدي إلى السلم وتركه مفتوحاً على مصراعيه". إلا أن أحدهم من جنسية أخرى أيضاً قام بالتهجم على أبيه الذي آتى مسرعاً من آخر المسجد على إهماله لابنه وتركه هائماً في المسجد بلا اهتمام.

الغريب في الأمر أن كل الأشخاص الثلاثة، المختلفين في اللغة والثقافة والمذهب كانوا على مرأى من معاناة الطفل وما يحدث له أمامهم، جميعهم لم يحركوا ساكناً أثناء سقوطه رغم قربهم منه، خصوصاً سقوطه الأخير على رأسه الذي كاد يكسر رقبته ويؤدي بحياته، بل تركوه يبكي ويتلوى أمامهم دون أن يكترثوا له. وحينما انتهت الصلاة قام كلٌ منهم بإلقاء اللوم على الآخر. كان على الإمام أن يوجز في صلاته! كان على من هم قريب من الطفل أن ينقذوه! كان على الأب أن يبحث عن ابنه! إلى آخره...

من المعلوم في بريطانيا أن الأنظمة شديدة جداً ولا يسمح للطفل بالبقاء لوحده في المنزل ولا النزول للشارع. لذا كان الوالدين في حيرة من أمرهم بعدم استطاعتهم تركه في المنزل وعدم وجود أقارب لهم وخوفهم عليه من النزول في الشارع وقت الصلاة. ولو نزل للشارع وقت الصلاة وتم الإبلاغ عنه لحوسب المسجد والوالدين خصوصاً أن الساعة كانت قرابة الحادي عشر والنصف مساءً. ناهيك عن الوالدين أصلاً غير ملزمان شرعاً بصلاة التراويح في هذا الظرف وهذا الوقت!

حينها أدركت أنه رغم اجتماعنا في هذا المسجد وفي مساجد أخرى أيضاً من لغات وثقافات وبلدان مختلفة، واتحادنا في صف واحد، إلا أن هناك فجوة. تتمثل هذه الفجوة فيما لدينا من قصور بمعرفة الأولويات أو ما يسمى بفقه الواقع وأيضاً عدم المبادرة في إيجاد الحلول لمشاكلنا الحالية وبالتالي عدم تحمل المسؤولية الكاملة تجاهها. والانشغال بإلقاء اللوم على الآخر والانشغال بالبحث عن المخطئ دون الأخذ بزمام المبادرة.

لو تقدم أحدهم لحمل هذا الطفل وإبعاده عن السلم لكان ذلك أولى من ركعتين في صلاة تراويح. لأن حفظ النفس والرحمة بالأطفال أولى بمراحل من كثير من العبادات، لأنني أظن بأن الدين أخلاق سلوكية وعبادات تعاملية لا أحكام فقهية وعبادات شعائرية فقط! وكم من حدث في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أولى فيه الأطفال والضعفاء اهتماماً أكثر من العبادات الشعائرية وخصوصاً أركان الإسلام بما فيها الصلاة المفروضة. فقد كان الرسول صلَّ الله عليه وسلم يخفف من الصلاة إذا سمع صوت طفل في صلاةً مكتوبة فما بالُك بنافلة وليس مجرد بكاء طفل، بل تعرضه لخطر وكادت تزهق روحه. عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلَّ الله عليه وسلم قال: إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوَّز في صلاتي مما أعلم من شدَّة وجد أُمه من بكائه".

الخميس، 14 يونيو 2018

عيد مغترب

بينما تردد عبارات “عيدٌ بأية حال عُدت يا عيدُ” و“العيد ماله طعم ولا لون” و”العيد مو مثل أول” و”العيد تغير” و”لا عيد في العيد” إلى آخره من مثل هذه الجمل والعبارات التشاؤمية والسلبية، يتمنى غيرك أن يقضي عيده بين أهله وأحبابه وفي وطنه سواءً كان لاجئاً أو مغترباً أو مبتعثاً.

يقضي معظم المبتعثين مناسباتهم واحتفالاتهم الدينية والاجتماعية بعيداً عن أهاليهم وأوطانهم، إما في المكتبات الجامعية أو في قاعات الاختبارات أو في الفصول الدراسية. لا يكاد يجتمعون مع بعضهم البعض إلا ساعة من نهار وغالباً ما تكون وقت صلاة العيد. ثم يمضي كلٌ منهم إلى ما يشغله من دراسة وأبحاث واختبارات وغيرها. تخنقهم العبرات حينما يتبادلون مشاعر التهنئة والفرح بهذا العيد حينما يتذكرون أوطانهم. لكنهم يتجرعون هذه المرارة ويفرحون رغم كل شيء ويمضون فيما هم فيه.

ومع كل هذا تجدهم يشيعون الفرح فيمن حولهم، فتجد أحدهم يقوم بتوزيع الحلويات والهدايا مع بعض العبارات التي تعرف عن هذه المناسبة لجيرانه ومن حوله في السكن، فتكون لها عظيم الأثر عليه وعليهم ويكون بذلك خير سفير ومشرف لدينه ووطنه. بينما يقوم آخر بدعوة زملائه على وجبة أو على قهوة. أو تجد لهم أيادي بيضاء على الفقراء والمحتاجين من حولهم سواءً كانوا مسلمين أو غير مسلمين. لذا لنتذكر إخواننا المبتعثين والمغتربين في كل مكان سواءً برسالة أو مكالمة أو هدية. يكون مضمونه التهنئة بكل تأكيد بالإضافة إلى تشجيعهم وتحفيزهم ورفع معنوياتهم والتأكيد على أن ما يقومون به هو مشرف وفخر وأنهم سينالون ما يسعون له قريباً. الكلمة أقل كلفة لكنها أعظم أثراً وما نحن إلا مجموعة مشاعر تحتاج لمثل هذه الأحاسيس والكلمات.

العيد فرحة ونحن من نصنعها بأنفسنا ويقع على عاتقنا إسعاد من حولنا وإدخال السرور عليهم بأي شكلٍ من الأشكال ولا عذر لنا في ذلك مهما اختلفت إمكانياتنا. الفرحة لا تحتاج إلا استشعارها والتعبير عنها. العيد شعيرة من شعائر الله ويجب علينا تعظيهما فقد قال الله عز وجل (ذلك ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب). ولنكثر من الابتسامة ونجعلها ولنهنئ بعضكم بألطف العبارات. لنشعر دائماً بنعمة العيد مع بعضنا ونعيش اللحظة ونستمتع بها فالمستقبل بيد الله. ولنقتدي بالرسول ﷺ في حسن خلقه ونكثر من الصلاة عليه. ولنتذكر بأن العلاقات الاجتماعية لا تحكمها المعايير المادية بل تستمر وتقوى بالمحبة والمودة والتقدير والإحسان لبعضنا البعض. العيد ليس استعراض بجمال أو مال أو قوة، بل تآلف قلوب وتقارب أجساد ومحبة دائمة، فلنضع ذلك جانباً ولنعبر عن مشاعر الحب ونشيع الفرح والسرور.

لست واعظاً ولا مرشداً وإنما هي ممارسات وسلوكيات رائعة رأيتها بأم عيني قام بها من يمثل دينه ووطنه خير تمثيل. فلتتقبلوا هذه الخواطر المبعثرة والتي أوجهها لنفسي وأسأل الله أن أستفيد منها أولاً وقبل كل شخص ثم لكل من قد يمر عليها ويقرأها وكل عام وأنتم بخير.


الأحد، 3 يونيو 2018

تجربة الماجستير في بريطانيا

حينما عزمت السفر لبريطانيا لدراسة الماجستير وإكمال الدراسات العليا كنت أبحث عن كل ما يخص الابتعاث من دراسة اللغة والبحث العلمي ونظام الجامعات إلى آخره. وكنت حينها أتلقى نصائح ومعلومات ممن طلبت وممن لم أطلب! قال لي أحدهم ذات مرة، أنه يمكث جل يومه في الجامعة حيث أنه يذهب ليلاً ويعود ليلاً فقلت له كيف فقال: أنه يذهب قبل شروق الشمس ويعود بعد غروبها! وانتهى كلامه!

كان هذا الخبر كالصاعقة علي، فأنا للتو في بداية الطريق ولم يسبق لي بأن أمضيت ثلث هذا الوقت يومياً في الجامعة، فكيف بأكثر من ١٢ ساعة يومياً! علقت هذه العبارة بذهني لمدة طويلة، فصرت أتذكرها بين الفترة والأخرى قبل وأثناء الابتعاث. فقد أنارت لي كثيراً من حيث لم يشعر صاحبها على الرغم من سلبيتها المفرطة. صحيح أن السبب الرئيسي لابتعاثنا هو الدراسة وإنهاء ما ابتعثنا لأجله، لكن ليس بهذا الشكل وبهذا التعميم المطلق لعبارة صاحبنا. فلدى كل شخص مسؤوليات أخرى وعليه حقوق لغيره أيضاً. لكن حينما وصلت وجدت بأن الوقت الذي كان يتحدث عنه صاحبنا هو الشتاء، واليوم في فصل الشتاء في بريطانيا قصير جداً. تشرق الشمس قرابة الساعة الثامنة وتغرب قرابة الساعة الرابعة! ناهيك عن المدة التي يقضيها في المواصلات والصلوات والوجبات وإلى آخره، ما قد يجعل الوقت الذي يقضيه معقولاً أو أقل من المتوقع منه يومياً! لكن صاحبنا لم يوفق في التعبير ولم يكن دقيق في تفاصيل عبارته!

في بداية الماجستير كنت على تواصل مع زميل آخر درس نفس البرنامج العام الماضي. وبالطبع كان لدي استفسارات وكنت أسأله. أجابني على بعض الأسئلة مشكوراً لكنه للأسف قد مر بتجربة سيئة فكان طرحه سلبياً ولم يحسن الإجابة على بعض استفساراتي الأخرى ولم يحسن النصيحة مع اليقين بحسن نيته.

بدأنا الدراسة وتفاجأت بأول محاضرة حينما عرض لنا المحاضر "Presentation" عبارة عن أكثر من ٤٥ شريحة "Slides" في أقل من ساعتين، كان هذا العرض عبارة ٤ مواد درستها في البكالوريوس. فقط مر عليها مرور الكرام بدون شرح وبدون تركيز. وحينما كنت أسأله وغيره من المحاضرين سوآءاً وقت المحاضرات أو حين كتابة البحوث والعمل على رسالة الماجستير، كانوا كثيرا ما يرددون هاتين العبارتين بشكل مفرط والتي كانت عبارة عن خارطة طريق. الأولى: "It is not spoon feeding" وتعني بأن المطلوب منك هو أن تبحث وتقرأ وتتعلم بنفسك وتعتمد عليها بشكل كبير لا أن تُقدم لك المعلومة على طبق من ذهب دون أي عناء وبمجرد السؤال فقط. والعبارة الثانية وخصوصاً في مرحلة كتابة البحوث وهي: "Narrow it down"  بمعنى ركز على جزئية واحد ولا تتشعب كثيراً وتحاول أن تشمل كل المواضيع في موضوع واحد فقط، فأنت مجرد باحث واحد لديك وقت محدد لتنجز ما تبحث فيه. وما تقدمه بهذه الشمولية قد يحتاج لعشرات الباحثين كي يقوموا بتغطية وقد تحتاج لسنوات إذا ما أردت أن تفعل ذلك لوحدك.

يتطلب هذا كثير من الجهد والوقت خصوصاً في مرحلة كتابة الرسالة مدة ثلاثة أشهر فقد كنت أمضي في المكتبة يومياً قرابة ١٠ ساعات ما عدا إجازة نهاية الأسبوع. لكن في أيام الدراسة العادية فكان أقل من هذا الوقت بكثير وليس بكل يوم. طبعاً تجربتي هذي ليست بمقياس لأحد، فقد يحتاج أحدهم لنصف المدة أو ضعفها وليس شرطاً أن تكون محددة في مكان واحد كالمكتبة. تستطيع أن تبحث وتدرس في المكان الذي يناسبك كالبيت أو القهوة آو الحديقة أو أي مكان آخر. لكن ما أود الوصول إليه بأن التجارب تختلف من شخص لآخر وكذلك القدرات والمهارات والفروقات الفردية، فالناس ليسوا سواء. ومن الخطأ أن تسقط تجارب الآخرين عليك ولكن حاول أن تستفيد منها بقدر ما يعينك ولا تكن نسخةً لأحدهم. فقط حكم عقلك ولا تسلمه لغيرك.

خلاصة التجربة:

بعيداً عن الفائدة العلمية البحتة والتي هي صلب تخصصك، تتركز جل فائدة تجربة دراسة الماجستير في بريطانيا من وجهة نظري في أربعة عناصر مهمة والتي يتوقع منك أن تتطور فيها خلال سنة الماجستير المليئة بالتجارب والخبرات المتنوعة وهما:

عنصران رئيسان:
١ـ المهارات البحثية
٢ـ الكتابة الأكاديمية

عنصران فرعيان:
٣- إدارة الضغوطات
٤- تنظيم الوقت

وهناك عنصر خامس لم أذكره لبداهته وهو إلمامك بالتقنية. التقنية هي مفتاح كل شيء لك كباحث وكطالب دراسات عليا وهناك العديد من التقنيات والتطبيقات والمواقع التي قد تحتاجه ولا غنى لك عنها. فالتقنية كاللغة في أهميتها ومن لم يتقنهما فهو أُميّومن استطاع تطوير نفسه في هذه المجالات قبل بداية الماجستير فإن ذلك سيجعل تجربته بإذن الله أسهل وأمتع وطريقه للتميّز ممهد أكثر من غيره. واعلم زميلي المبتعث وأخي طالب الدراسات العليا بأن الماجستير هي بوابتك لمرحلة الدكتوراه والدكتوراه فقط تؤهلك لأن تكون باحثاً وليس عالماً، فلا تتوقف عند حرف الدال!