الأحد، 25 أغسطس 2019

قهوة إيرلندية ... لو سمحتي

اعتدت فيما مضى على شرب قهوة لذيذة المذاق في إحدى محلات القهوة في السعودية، وذلك حينما كنت أحتسيها مع السكر قبل أن أتوب من ذلك الذنب وأهتدي للطريق الصحيح للاستمتاع بها. هذه القهوة تسمى "Irish Coffee" القهوة الإيرلندية، وكنت لا أتنازل عنها بأي نوع آخر من القهوة.

في منتصف عام ٢٠١٣م، ذهبت لزيارة أخي في دبلن عاصمة جمهورية إيرلندا. وجمهورية إيرلندا هي دولة مستقلة تقع في جزيرة إيرلندا جنوب إيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة. كانت تلك الزيارة الأولى لي لجمهورية إيرلندا ولم تكن الأخيرة لوجود أخي فيها ولجمالها أيضاً. زرت فيها "Phoenix Park" فينيكس بارك، وهي من أكبر المنتزهات والحدائق في أوروبا حيث يفوق حجمها على حجم جميع حدائق لندن وأيضاً حجم"Central Park" سنترال بارك في نيويورك. يصل عمرها لقرابة ٤٠٠ سنة ويقيم في وسطها رئيس الجمهورية والسفير الأمريكي في إيرلندا. وزرنا أماكن أخرى منها النهر الذي يجري في وسط المدينة "River Liffey" ريڤر ليڤي وغيرها من الأماكن داخل وخارج العاصمة.

ذات يوم، ذهبت مع أخي إلى مقر دراسته وودعته للذهاب لإحدى المقاهي المنتشرة في وسط المدينة بالقرب من مقر دراسته. كان الأقرب لي والأفضل مكاناً هو "Starbucks" ستاربكس بجوار جامعة "Trinity College Dublin" ترينتي كوليج دبلن. قلت في نفسي وأنا متجهاً للمقهى: هذا الوقت والمكان المناسب لطلب قهوتي المفضلة ومن مصدرها في وسط عاصمة إيرلندا. الساعة لم تصل التاسعة صباحاً وكان المقهى ممتلئ بالزبائن من سياح وطلبة وموظفين ويكاد يصل طابور الطلبات لخارج المحل. كان المكان هادئاً ولا تسمع إلا أسماء أنواع الطلبات من كابتشينو واسبرسو إلى أصوات أجهزة القهوة وخريرها فقط. انتظرت في طابور الانتظار لقرابة ١٠ دقائق إلى أن أتى دوري في الطلب. فبادرتني الموظفة بسؤالي عن ماذا أريد. قلت وبكل ثقة وشوق: "آريش كافي، بليز" أي قهوة إيرلندية ... لو سمحتي. قالت: "ماذا؟" قلت في نفسي لعلها لم تسمع من صوت إزعاج أجهزة القهوة. فكررت عليها نفس الجملة لكن بصوت أعلي لعلها تسمع. فصمتت لوهلة وصمت كل من في محل القهوة! فعلمت أن هناك خطبٌ ما لا أعلمه.

أخرجت رأسها من فوق الكاونتر وقالت وهي تشير لمكان خارج محل القهوة: هناك عدة حانات تفتح بعد الساعة الخامسة مساءً ويمكنك الذهاب لهم بعد هذا الوقت وسيفرون لك ما تريد، ونحن نعتذر عن تقديمه هنا. لكم أن تتخيلوا أن كل من كان داخل المحل قد توقف عما يقوم به وأنصت لمحادثتنا خصوصاً بعد رفع صوتي حينما ظننت أنها لم تسمع ماذا أقول. تجمد الدم في عروقي وعرفت أن هذا الطلب لم يعد قهوة فقط، وأن صاحب هذا الطلب الذي تبدو على ملامحه الغربة متحمس لطلبه في هذا الصباح الباكر وفي أول يوم في الأسبوع.

خرجت في حيرة من أمري غاضباً على القهوة الإيرلندية عازماً على التوقف عنها للأبد. بحثت لاحقاً عنها فوجدت أن ثلثيها قهوة والثلث الآخر عبارة عن ويسكي إيرلندي مضافاً لها السكر والكريمة وتقدم حارة في الحانات والأندية الليلة. بينما أراد صاحبنا أن يحتسيها في وضح النهار غير مكترث بالزمان والمكان الذي طلبها فيه. وهناك الكثير من القصص فيما يخص مثل هذه التسميات عندنا في الوطن العربي التي يقع في طلبها المواطن العربي حينما يسافر للخارج مثل"Cocktail" كوكتيل و "Mocktail"موكتيل. فالكوكتيل هو مشروب كحولي مشكل يخلط فيها عدة مشروبات كحولية مع مشروبات غازية وأخرى طبيعية بينما الموكتيل فهو عصير مشكل غير كحولي. و "Mock" موك في اللغة الإنجليزية تأتي بمعنى زائف أو تقليد لشيء معين وتستخدم مع كلمات مثل Mock exam  و Mock presentation  وغيرها من مثل هذه الأمثلة.

لا أتفق مع مثل هذه التسميات التي تسبب الكثير من المشاكل والإحراجات خصوصاً حينما يكون الشخص في بدايات خوض تجربة جديدة. وليس من الجيد نقل مثل هذه التسميات كما هي إلا إذا كان المنتج كما هو ولم يتغير، والأفضل أن يكون منتج محلي وبتسمية محلية. هذه الإشكالات على مستوى المنتجات والأشياء المحسوسة فقط، لكن الأمر أكثر تعقيداً على مستوى الأفكار والتجارب سوآءً في نقلها أو إسقاطها على مجتمعاتنا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق