الأحد، 8 يوليو 2018

بوصلة

في عام ٢٠٠٩ قضيت في لندن قرابة السبعة أشهر لدراسة اللغة، كنت أقطع يومياً رحلة طويلة من المنزل إلى المعهد يتخلل هذه الرحلة المشي وركوب الباص واستخدام القطار، وذلك لمدة ساعة تقريباً ذهاباً وساعة أخرى للعودة.

كنت أرى محطة القطار التي بالقرب من سكني في شمال غرب لندن كئيبة وتزداد سوءاً يوماً بعد يوم. حيث أنها هي المحطة قبل الأخيرة وكلما أقترب القطار منها كلما قل عدد الركاب فيها، وقد أصل وحيداً في أغلب الأوقات، ناهيك عن المدة الطويلة والمملة للرحلة وكثرة التوقف والتغيير من قطار لآخر ومن خط لآخر، سوآءاً بسبب الزحمة أو بسبب تعطل بعض القطارات. كنت طيلة هذه المدة لا أفكر إلا بالعودة للوطن وأرى بأن كل ما في الوطن جميل وما عداه سيّء “ولا زلت”. أعترف بأن تفكيري بتلك الفترة كان سلبياً نوعاً ما للأسباب المذكورة آنفاً.

المفاجأة أنه في آخر أسبوع لي في لندن وقبل عودتي للوطن، تغيرت نفسيتي فأصبحت سعيداً مبتهجاً مبتسماً، ولا أفكر إلا بالرحلة وبالوطن والاجتماع بالأهل وكل جميل يخطر على البال! وتفاجأت بأن تلك المحطة كانت مليئة بالزهور أكثرها معلقة وبعضها مزروعة، احتوت كل الألوان وشكلت لوحة فنية جميلة تناغمت مع الأشجار المحيطة بالمحطة وتزداد جمالاً مع غروب الشمس وشروقها. أكاد أجزم أنني طول تلك المدة "السبعة الأشهر الماضية" لم أرى شيئاً منها البتة! فتساءلت كثيراً أين كانت تلك الزهور والمناظر الجميلة قبل هذا الأسبوع؟! ولماذا لم أراها؟ ودارت أسئلة كثيرة بيني وبين نفسي وتعجبت كثيراً!!!

فوصلت لقناعة بأن السلبية حينما تكون طاغية في حياتنا فهي تحجب الرؤية عن كل ما هو جميل حولنا وبداخلنا! نعم تلك المشاعر السلبية التي ريثما أصبحت نظرة سلبية لجميع ما حولي هي التي حجبت عني الجمال وأنستني الاستمتاع باللحظة والعيش في الحاضر. وقس على ذلك كل ما في حياتنا وكل ما نمر به. حينما نفكر سلبياً فإننا بذلك نتجه نحو السلبية وتكون هي بوصلتنا في الحياة. ويقال بأن التفكير يؤثر على المشاعر ويغيرها والمشاعر أيضاً تؤثر على السلوك وتغيره وبالتالي حياتنا كلها تنقلب رأساً على عقب بسبب أفكارنا وطرق تفكيرنا.

يجب ألا نفكر إلا بكل ما هو إيجابي وجميل، سوآءاً كان ظاهره كذلك أو كان سلبياً. تساءلت كثيراً لماذا نقرأ سورة الكهف كل جمعة؟! فوجدت بأن فيها ثلاث قصص يبدو ظاهرها سلبياً ولكنها هي الخير، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم. لذا قال الله عز وجل في الحديث القدسي "أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيراً فله، وإن ظن شراً فله". فالتفكير إذاً هو محور حياتنا وبوصلة السعادة، فلنغير من طريقة تفكيرنا ونوجهه التوجيه الصحيح بإرادتنا، ولنركز على كل ما هو جميل حولنا ونتفاءل بالمستقل ونعمل من أجله أيضاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق