الأحد، 10 مارس 2019

الجندي المجهول

مما يعلمه الكثير بأن عهد النبي محمد عليه الصلاة والسلام وعهد حكم أصحابه الخلفاء الراشدين من بعده هو أفضل حكم إسلامي على الإطلاق وهم قداوتنا في ذلك، إلا إنه يغيب عن البعض بأن هذا العهد لن يتكرر. بالتأكيد يجب علينا الاقتداء بهم، لكن يجب أن نعرف أيضاً بأننا لن نستطيع أن نصبح مثلهم مهما بذلنا. كيف لنا وذاك نبيٌ مرسل معصوم ومن بعده أصحابه وخلفائه والمبشرين بالجنة. كيف لنا وقد ذكر حبيبنا صلى الله عليه وسلم بأن أفضل القرون هم قرنه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. لذا من المستحيل أن نقارن أنفسنا بهم، أو أن نقارن حكومة أو حاكم أو ولي أمر بالرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وبصحبه أيضاً. فهذي مقارنة ظالمة وغير عادلة. هم بالتأكيد قداوتنا ونسعى إلى أن نكن مثلهم وهذا ما يجب علينا بأن نجتهد فيه، لكن لزاماً علينا أن نعرف أيضاً بأننا لا نستطيع أن نصبح هم أو أن نُقَارَنَ بهم.

مشكلة البعض بأنه يرسم في مخيلته دولة مثالية خيالية ويُحاكم كل الأنظمة والحكّام والحكومات لهذه الدولة التي في رأسه. وقد تكونت هذه الدولة في مخيلته من قراءته الخاطئة للتاريخ، حيث جمع أفضل ما في كل الدول الإسلامية السابقة من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى العهد العثماني وكوّن دولة إنموذجية خيالية. كما جمع أيضاً كل صفات الحكّام وكوّن صورة حاكم أسطوري في رأسه كرجل خارق. لذا فهو يقارن كل حكومة ودولة وحاكم بذلك النموذج الخيالي الغير موجود أصلاً والمستحيل وجوده أيضاً في عصرنا هذا وإلى أن تقوم الساعة. وحينما يقوم بتطبيق هذا النموذج على حاضرنا يصدم بالواقع وبالحقيقة والتي هي أصلاً من سنن الحياة، فيصبح بعد ذلك متأففاً ناقداً ناقماً لا يرضيه شيء وينشغل بالتنظير بتلك المقارنات والمثاليات ولا يساهم في أي تنمية أو تطوير سواءً لنفسه أو لمحيطه ومجتمعة ووطنه، ويندب حظه، وكثيراً ما يستذكر تلك الدول والأسماء وانجازاتها في كل محفل ومبادرة ومع كل تغيير أو تجديد! لذا يمكث هامداً خاملاً ينتظر بطلاً منقذاً مجهولاً كي ينقذ العالم!

أظن بأن هذا التفكير هو نتيجة خطأ في طريقة سردنا للتاريخ وطريقة قراءتنا له أيضاً. أكثر القصص جعلت الانتصار في شخص فرد بعينه بأنه هو المنقذ البطل الفذ، وأغفلت جانب المجتمع وأفراده بشكل عام حيث يشعر القارئ بأنه هو ومجتمعه لا يستطيعون عمل أي شيء، وعليهم انتظار ذلك البطل المنقذ. وعلى النقيض، قد تجد من يتحمس ويحمل نفسه فوق طاقتها وقد يؤدي ذلك إلا هلاكه وهلاك مجتمعه، حين يحصر الأمة ورقيها ونصرتها وتطورها فيه شخصياً ويتمثل داخله بأنه هو المنقذ البطل الذي ينتظره الجميع. تلك الصورتين خاطئتين وفي غير محلها ولن تحرز أي تقدم لا للفرد ولا للمجتمع.

إن طريقة تعاطينا مع التاريخ وقراءتنا لأحداثه هي ما يجب علينا إعادة النظر فيها. فهي إما تكون لدى الشخص صور خيالية مثالية نموذجية عن حكومة وحاكم ودولة. أو قناعته بأن كل انتصاراتنا وتفوقنا وتقدمنا التاريخي القديم كان بجهد شخصي فردي فقط، فتجعل القارئ ينتظر هذا البطل. أو أخيراً تُحمّل المتلقي ما لا يطاق فيهلك نفسه ومجتمعه. وكل هذه القراءات الخاطئة للتاريخ تشل الفرد والمجتمع على حدٍ سواء. فهذه السطحية في الطرح والبساطة في التعاطي مع التاريخ جعلت من القصص التاريخية والأحداث السابقة مجرد حكايات للتسلية وأغفلت جانب المجتمع بأفراده ودورهم ككتلة صلبة تعمل المستحيل.

هناك 3 تعليقات: