الأحد، 20 مايو 2018

همسة

ننشغل ببهرجة الحياة كثيراً حتى نصل إلى مرحلة نهمل فيها مشاعرنا بل ننساها. نهتم بالشكل على المضمون وبالظاهر على الباطن وبالمادية على حساب المعنوية. أجزم بأنك تعتبر هذا تضخيماً وأن الموضوع بسيط وكل الأمور تسير على ما يرام. قف! فأنت مخطئ، لأنه إذا لم تعرف قيمة المشاعر لم تقدر قيمة ما كتب آنفاً ولن تفهم ما سيكتب لاحقاً!

كثيراً ما ندعي كثرة مشاغلنا وازدحام جداولنا، فتمر الأيام تلو الأيام ونبتعد فيها عمن نحب. لا نبتعد جسدياً عنهم بل نحن أقرب. إنما نصنع عزلة حديدية على مشاعرنا ونقويها يوماً بعد يوم. نشعر بين الفترة والأخرى بتأنيب الضمير بما بقي في هذا الضمير من حياة، لكننا نقضي على آخر رمق فيه بتعالينا وتكابرنا.

يجتاحنا الخجل الغير مبرر حينما يتعلق الأمر بمشاعرنا وريثما يتحول إلى مكابرة. نكابر في التصريح بحبنا لمن نحب . نشتاق لهم، نريد أن نسمع أصواتهم، نمتّع ناظرينا بوجودهم ونريد أن نقترب منهم أكثر، لكننا مرة أخرى نتعالى على كل هذه المشاعر ونضرب بها عرض الحائط. نتجاهل في التعبير عن مشاعرنا. ليس لأننا لا نريد بل لأننا لا نعرف. يقول جيمس إيرل: "من أسوأ ما يمكن أن يحدث في الحياة هو أن يكون في قلبك كلمات لا يستطيع لسانك أن يترجمها". ما نقوم به هو خيانة لأنفسنا ووأد لمشاعرنا! لذا نحن نساهم في إنشاء مجتمع بخيل مشاعر، يظن بأن البوح بالمشاعر ضعف والتعبير عن الحب نقص حتى لأقرب الناس لنا!

لا يتمثل البخل والكرم في الماديات فقط، بل قد نجود كثيراً على من نحب ومن لا نحب. لكن البخل الحقيقي بصورته الكاملة يتمثل في عدم البوح بمشاعرنا لمن نحب حتى ينمو مجتمعنا على أرض قاحلة جافة رغم خصوبتها وكثرة مواردها. وننسى أرثاً تاريخياً يحثنا على التعبير عن حبنا ومشاعرنا. فقد قال الحبيب ﷺ: "إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه". هذا الحرص من النبي ﷺ بأن لا ينتظر إلى الغد لكي يخبر صاحبه بهذا الحب، بل ليذهب له في الحال لمنزله ويعبر عن حبه ويفصح عن مشاعره ليس بالأمر السهل، وينم عن أهمية عظيمة لهذه المشاعر.

ألا يشكل هذا البوح أحد أهم أولوياتنا كمجتمع. إن الحياة بالحب والعيش له والموت عليه يبني مجتمع قوي البنية سوي الفكر لا تطرف فيه ولا ضعف، ويُعزز هذا كله بفك القيود عن مشاعرنا وإطلاق صراحها. الحب ليس كلمة عابرة فقط! الحب يترجم بمشاعر صادقة وأحاسيس معبرة! الحب قول وإذا ترجم أصبح فعل! واعلم أن كل شيء ينقص ببذله وعطائه إلا الحب والتعبير عنه، فهو يزداد! ولنعلم أن قلوبنا تتمدد وتتسع بالحب فلا نقلصها بغيره.

للحب معنى عظيم، وللتعبير عنه معنى أعمق. والتعبير عن هذا الحب يُعد عقداً بلا بنود وميثاقاً بلا قيود يسعى كلا الطرفين إلى ضمان استمراريته بالتضحية والبذل والعطاء. لذا فحبك لشخصٍ ما لا يعني كماله، بل يعني قبولك به كما هو. تتجاوز عن أخطائه وتقبل أعذاره وتقترب منه إذا ابتعد وتسأل عنه اذ جفاك!

ختاماً أقول:
ترى الكرم ما هو بكثر العطايا 
وترى البخل ما هو بكنز الدنانير
صدق المشاعر بين عوج الحنايا
وشلون تخرجها وتسعد بها الغير



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق