الأحد، 29 يوليو 2018

غمضة


في أقصى أطراف أستراليا حيث بدأ هنا للتو فصل الشتاء على عكس أغلب دول العالم التي تشتكي من موجة حر شديدة، وأكثرهم صياحاً كانوا في أوربا! قبل أسابيع قليلة فقط أيقظني الألم في تمام الساعة الثانية صباحاً. البرد شديد والمريض جديد على هذه المدينة بل الولاية بل الدولة بل بالأصح جديد على قارة أستراليا كلها إن صحت التسمية الجغرافية. في هذا الوقت كل شيء مغلق بمعنى الكلمة. لا صيدلية تعمل ٢٤ ساعة ولا مستوصف ولا مستشفى أيضاً، باستثناء المستشفى العام الوحيد الذي يعمل على مدار الساعة، ولك أن تتخيل حجم المراجعين.

بلا مقدمات، صحوت على ألم شديد جداً في الأذن اليمنى. قمت بكل ما يمكن القيام به لتخفيف الألم من تناولي لبعض المسكنات وتنظيف الأذن إلى آخره. وللأسف لم يتغير شيء. كنت أسمع واقرأ قبلها بفترة عن شهرة أستراليا بالحشرات القاتلة كالعنكبوت الصغير ذي الظهر الأحمر والذي يعتبر قاتلاً فتّاك من الدرجة الأولى. شككت بل ذعرت بأنه قد حل ضيفاً في أذني أو غيره من هذه الحشرات القاتلة، ولك أن تتصور ما هي حالتي وتوتري مع كل هذه الظروف!

بعد جميع هذه المحاولات والتي بآءت بالفشل قررت الذهاب لهذا المستشفى الوحيد وهممت أن أتصل بأحد الزملاء أو بجاري الأسترالي المسلم "بنيامين". لكني آثرت أن أذهب بنفسي على إيقاظهم وإزعاجهم في هذه اللحظة المتأخرة من الليل. وهنا أستطرد - بأن المبتعثين ولله الحمد، لا يؤلون جهداً بأوقاتهم وأموالهم وبكل ما يملكون في خدمة زملائهم ويقدمون الغالي والنفيس لهم -. ولعلي أتحدث عن هذا الموضوع في مقامٍ آخر .

تحاملت على نفسي وذهبت للمستشفى وهي أول زيارة له، وأضعت وقتاً في البحث عنه وعن موقف للسيارة. سجلت دخولي بعد إعطائهم المعلومات وشرح تفاصيل الألم وأخبرتهم بشدته وأنني لا أستطيع الانتظار. أخذت مقعدي والألم يزداد شدة فرجعت لهم وأخبرتهم مرة أخرى، ولم يعيروني اهتماماً. لاحظت بأن أغلب المرضى يتخذ أسلوباً يرونه ذكياً لتعجيل عملية الدخول. لكنني ترفعت عنه بعزة العربي الأشمَّ. يستلقي المريض على الأرض في صالة الانتظار ويقوم البعض منهم بحركات استعطافية، لم ترق لي لكنها فعّالة!

ذهبت لهم مرة أخرى أخبرهم بشدة الألم فأرسلوا لي ممرضاً أو دكتوراً، لا أذكر، وناولني بعض المسكنات لحين يأتي دوري. تناولت هذه المسكان ولم يتغير شيء. بعدها بقليل، ومن حيث لا أشعر سقطت أرضاً مغماً علي، فتحت عينيَّ وإذ بكل من المستشفى وقد اجتمعوا عليّ. لم أفق بعدها مرةً أخرى إلا وأنا داخل الطوارئ وأظن ذلك بعد أكثر من ساعتين تقريباً. وهذي حيلة لم أحتالها! على أية حال، خرجت من المستشفى قرابة الساعة الثامنة صباحاً بعد تشخيصي بانسداد قناة صغيرة جداً "يا لضعف هذا الإنسان" تسمى قناة استاكيوس أو القناة السمعية.  بعدها بأسابيع وذلك الأسبوع الماضي بالتحديد، زرت المستشفى أيضاً لإجراءات طبية معينة تطلبت تخديري لمدة ساعتين، ومكثت في المستشفى من الساعة التاسعة والنصف إلى الساعة الثالثة ظهراً تقريباً.

الغريب وما شد انتباهي هو بأن مدة الإغماء وعملية التخدير كاملةً مرت وكأنها غمضة عين، ولا أعلم متى تمت وكيف تمت. وسرحت كثيراً أفكر بكل ما مر عليّ في حياتي أيضاً، فوجدته كذلك! مر وكأنه دقائق وثوانِ سريعة ولم يبقى إلا بعض الذكريات. اقتنعت بأن الحياة قصيرة جداً جداً وأقصر مما نتصور وهي مجرد ذكريات وأحلام، لذا فهي لا تستحق أن نضيعها بأن نكره ونشتكي ونتأفف ونلوم ونحسد ونحقد ونجفو إلى آخر ذلك. وأجزم لو قيل لأحدنا بأن لديه ٢٤ ساعة فقط للحياة، فسيصبح جل ما يعمله ويفكر به ويشغل باله مجرد توافه وقد آن الأوان للأهم. لذا فلنخبر أنفسنا بأن لدينا فقط هذه الحياة القصيرة ولنركز على ما ينفعنا ويرفعنا. وأبلغ إيجاز لذلك هو القول المأثور: " اعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا". عموماً، أنا هنا لا أقدم وعظاً ولا نصحاً بل أفكر بصوت عال فقط وأحوار نفساً تأسرها الذكريات وتسحرها الأحلام!

هناك 6 تعليقات:

  1. استرسال جميل يجعلك تنداح فى لب القصه. شفاك الله وعفاك فى غربتك اخى مشارى

    ردحذف
  2. النعم ثلاثة...نعمة الإسلام ونعمة العافية ونعمة الرضى...
    والمقصود بثلاثة أي أنها أهم النعم على الإطلاق فمن حازها فهو في خير عظيم...فالحمدلله على نعمه والحمدلله في كل وقت وحين.

    ردحذف